وصف المدون

اليوم

INFOGRAT - فيينا:
في ليلة شتوية باردة، كان يجلس في غرفته المظلمة، حيث الأضواء الخافتة بالكاد تنير المكان. كانت الساعة تقارب منتصف الليل، وصوت المطر يتسلل إلى أذنيه من خلال النافذة، يحاكي نبضات قلبه المتسارعة. رغم مرور سنوات على فراقهما، إلا أن قلبه لم يعرف السكون منذ تلك اللحظة.

infograt

عشر سنوات مضت منذ أن التقت أعينهما لأول مرة. كان لقاءً عابرًا في أمسية خريفية، لكنه حفر في قلبه أثرًا لم يُمحَ. كانا غريبين حينها، لكن شيئًا ما، أكبر من الكلمات، جمع بينهما. تطورت الأمور سريعًا، وأصبحت هي كل ما يملأ حياته، يفهمان بعضهما بلا كلمات، وكأن الأرواح كانت تتحدث فيما بينهما بلغة سرية.

كانت تشاركه كل شيء، تفاصيل يومه الصغيرة، أفكاره العميقة، وأسراره التي لم يجرؤ على البوح بها لأحد غيرها. كانت مرآته التي يرى فيها نفسه بوضوح لم يعرفه من قبل. كانت العلاقة بينهما شيئًا مقدسًا، حبًا لا يحتاج إلى تأكيدات أو وعود.

لكن الأيام حملت في طياتها قسوة لم يتوقعها. فجأة، وكأن الحياة قررت اختبار حبهما، جاءت الظروف التي لم يكن لهما فيها خيار. انفصلا بسبب انهم لم يكن لديهما القدرة على اجتيازها. كان البعد جغرافيًا، لكن ما هو أصعب كان الزمن الذي بدأ يضعف تلك الخيوط الرقيقة التي تربط بينهما.

حاول كل منهما المضي قدمًا، لكن ذكراها كانت تطارده في كل مكان. كل لحظة بعيدة عنها كانت تزيد من شوقه، وتعمق إحساسه بالفقد. حتى في أكثر اللحظات سعادة، كان يجد نفسه يتساءل: كيف كان يمكن أن تكون تلك اللحظات لو كانت هي بجانبه؟ لم يكن هناك يوم يمر دون أن تتسلل إلى أفكاره، تعيش في تفاصيل حياته، حتى في غيابها.

ذات ليلة، بعد مرور كل تلك السنوات، كان يجلس وحده في غرفته، يتأمل رسالة قديمة كانت قد كتبتها له. كانت كلماتها حية كما لو أنها كتبتها للتو، تحمل بين سطورها دفء الحب الذي جمعهما. لم يكن قادرًا على منع دموعه من الانهمار. كان يقرأ تلك الرسالة للمرة الألف، وكل مرة كانت تجلب معه أحاسيس جديدة.

كيف استطاع الزمن أن يمر، وأن يترك كل هذا الحب معلقًا في قلبه؟ كيف لم يستطع أحد أن يملأ الفراغ الذي تركته في حياته؟ كانت هذه التساؤلات تؤرقه، ولم يجد لها إجابة.

في تلك اللحظة، أخذ قرارًا بأن يكتب لها. ليس ليرسلها، ولكن ليحرر قلبه من ثقل الذكريات. كتب لها عن حنينه، عن الليالي التي قضاها يفكر فيها، وعن السعادة التي لم يجدها إلا في ذكراها. أخبرها بأنه لم ينسَها أبدًا، وأنها ستظل دائمًا جزءًا منه، مهما بعدت المسافات.

بعدما انتهى من الكتابة، طوى الرسالة ووضعها بجانب تلك الرسالة القديمة. نهض من مكانه، وفتح النافذة. الهواء البارد لامس وجهه، وكأنه يوقظه من حلم طويل. المطر قد توقف، لكن رائحة الأرض المبللة أعادت إليه كل تلك الذكريات. أغلق عينيه للحظة، مستشعرًا وجودها بقربه، وكأنها لم تتركه أبدًا.

ورغم أنه كان يدرك تمامًا أنها قد لا تعود، إلا أن قلبه امتلأ بالسلام. فهم أخيرًا أن الحب الحقيقي ليس في الحضور الدائم، بل في تلك الذكريات التي تظل نابضة في قلوبنا، حتى وإن كانت المسافات تفرق بيننا. مع بزوغ الفجر، شعر بأنه مستعد لمواجهة يوم جديد، وهو يحمل في قلبه حبًا خالدًا، لا يمحوه الزمن، ولا تقوى الظروف على نسيانه.

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

شكراً لك على مشاركة رأيك.. لنكتمل بالمعرفة

Back to top button