وصف المدون

اليوم

INFOGRAT - فيينا:
منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، شهدت أوروبا موجة كبيرة من اللاجئين السوريين الذين فروا من ويلات الحرب بحثاً عن الأمن والاستقرار. استقبلت القارة الأوروبية مئات الآلاف من السوريين، مما أثار تساؤلات حول تأثير هذا التدفق الكبير على مجتمعاتها واقتصاداتها. هل كان السوريون عبئاً على الاتحاد الأوروبي أم أنهم شكلوا ورقة رابحة في تطوير العديد من جوانب الحياة الأوروبية؟

APA

التحديات: هل كانوا عبئاً؟

1. التكلفة الاقتصادية الأولية
عند النظر إلى التكاليف الأولية، أنفقت الدول الأوروبية مليارات الدولارات لاستقبال اللاجئين السوريين. في عام 2016، أعلنت ألمانيا وحدها أنها أنفقت حوالي 20 مليار يورو على استقبال اللاجئين وتوفير السكن والتعليم والرعاية الصحية. هذه التكلفة شملت بناء مراكز استقبال، تدريب اللاجئين، وتوفير الدعم المالي والاجتماعي. في السويد، التي استقبلت عدداً كبيراً من اللاجئين، بلغت التكاليف حوالي 3% من الناتج المحلي الإجمالي.

2. التحديات الاجتماعية
على المستوى الاجتماعي، واجه السوريون صعوبات في الاندماج بسبب الحواجز اللغوية والثقافية. كما أن ارتفاع نسب البطالة بين اللاجئين أدى إلى زيادة الضغوط على أنظمة الرعاية الاجتماعية، حيث بلغت نسبة البطالة بين اللاجئين السوريين في ألمانيا مثلاً 44% في عام 2016. في بلدان مثل السويد، واجه السوريون تحديات مماثلة، حيث استغرقت عملية دخولهم سوق العمل وقتاً أطول مقارنة ببعض المجموعات الأخرى من اللاجئين.

الفوائد: هل كانوا ورقة رابحة؟

1. قوة عمل شابة وديناميكية
رغم التحديات، برز السوريون كقوة عمل مهمة في أوروبا. حوالي 70% من اللاجئين السوريين الذين وصلوا إلى أوروبا كانوا تحت سن الـ35، مما يعني أنهم دخلوا إلى مجتمعات تعاني من شيخوخة السكان ونقص في القوى العاملة. في ألمانيا، نجح 49% من اللاجئين السوريين في العثور على وظائف بحلول عام 2021، ما يدل على أن العديد منهم قد اندمجوا في سوق العمل بفضل برامج التدريب والاندماج التي وفرتها الحكومة الألمانية.

2. المهارات المهنية المتقدمة
السوريون لم يجلبوا فقط الأيدي العاملة، بل جلبوا معهم مهارات مهنية متقدمة. على سبيل المثال، في عام 2018، أظهرت إحصائيات الحكومة الألمانية أن حوالي 17% من اللاجئين السوريين الذين دخلوا سوق العمل كانوا في وظائف عالية المهارة تشمل الطب، الهندسة، وتكنولوجيا المعلومات. بلدان مثل ألمانيا والنمسا استفادت من المهارات الطبية للسوريين، خاصة في ظل نقص الكوادر الطبية في هذه البلدان. في السويد، تزايدت نسب اللاجئين الذين أسسوا مشاريعهم الخاصة أو انخرطوا في الأعمال التجارية.

3. الشركات السورية الناشئة في أوروبا
لم يكن تأثير السوريين في أوروبا مقتصراً على سوق العمل فقط، بل تعداه إلى تأسيس العديد من الشركات والمشاريع الناجحة التي ساهمت في دعم الاقتصاد المحلي. من أبرز هذه الشركات:

1. مطاعم باب العمود - ألمانيا: سلسلة مطاعم أسسها السوري حسام كيوان في برلين، وتوسعت لتصبح واحدة من أشهر سلاسل المطاعم السورية، مما ساهم في تعزيز قطاع الضيافة.

2. شركة زينوس للتكنولوجيا (Xenous Technologies) - السويد: أسسها السوري مازن إبراهيم، وهي شركة تقنية متخصصة في تطوير الحلول التكنولوجية للشركات الصغيرة والمتوسطة، وأسهمت في النمو التكنولوجي في السويد.

3. مصنع "حلويات الشام" - هولندا: أسسه محمد العلي، وهو مصنع متخصص في صناعة الحلويات والألبان التقليدية السورية، وتمكن من تحقيق نجاح كبير في السوق الهولندي.

4. شركة جود فاكتوري (GOOD Factory) - فرنسا: أسسها جود عبد الله، وهي شركة لتصنيع الملابس المستدامة، وشهدت نجاحاً ملحوظاً في سوق الأزياء الأوروبي.

5. مخبز شام - الدنمارك: أسسه أحمد النجار في كوبنهاغن، وأصبح مشروعاً ناجحاً يزود المجتمع المحلي بالمخبوزات السورية.

6. شركة "ديماك للتجارة والاستيراد" - ألمانيا: أسسها محمود ديماك لتوفير المنتجات الغذائية السورية في السوق الألماني، وساهمت في تعزيز الروابط الثقافية والاقتصادية بين المجتمعين.

4. التأثير الإيجابي على الاقتصاد
على الرغم من التكلفة الأولية العالية، أظهرت الدراسات أن اللاجئين السوريين بدأوا يساهمون بشكل إيجابي في الاقتصاد. دراسة نُشرت في عام 2020 أكدت أن السوريين في ألمانيا، بفضل انخراطهم في سوق العمل، قد ساهموا في زيادة الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بمعدل 0.5%. في بلدان أخرى مثل السويد، أظهرت البيانات أن السوريين الذين أسسوا مشاريعهم ساهموا في تحريك الاقتصاد المحلي وخلق فرص عمل جديدة.

5. الاندماج الثقافي والمجتمعي
على الصعيد الثقافي، أثر السوريون على المجتمع الأوروبي من خلال مساهماتهم في تعزيز التنوع الثقافي. في مدن مثل برلين، ساهم السوريون في إثراء المشهد الثقافي من خلال تأسيس مطاعم، مقاهٍ، ومنظمات ثقافية. كما أن التفاعل بين السوريين والمجتمعات المحلية أدى إلى تحسين مستوى الفهم المتبادل بين الثقافات، وهو ما يُعتبر ورقة رابحة لبلدان تعاني من تصاعد المشاعر اليمينية المعادية للهجرة.

الأرقام تدعم النجاح

ألمانيا: 
بحلول عام 2021، تجاوزت نسبة السوريين الذين وجدوا عملاً 50%، مع مساهمة اللاجئين في قطاعات مثل الصناعة، البناء، والرعاية الصحية.

السويد: 
أفادت بيانات من عام 2019 بأن اللاجئين السوريين يمثلون نسبة كبيرة من أصحاب المشاريع الصغيرة، مع نمو متزايد في الاقتصاد المحلي.

هولندا: 
61% من اللاجئين السوريين في سن العمل تمكنوا من الاندماج في سوق العمل أو بدأوا مشاريعهم الخاصة بحلول عام 2021.

السوريون بين العبء والفرصة
يمكن القول أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي واجهتها أوروبا نتيجة تدفق اللاجئين السوريين كانت كبيرة في البداية، لكن على المدى الطويل، أثبت السوريون أنهم ورقة رابحة على عدة مستويات. نجاحهم في دخول سوق العمل، مساهمتهم في تعزيز التنوع الثقافي، وقدرتهم على تأسيس مشاريع ناجحة جعلت من السوريين قوة مؤثرة في مجتمعاتهم الجديدة. بناءً على الأرقام والنتائج الملموسة، يمكن اعتبار السوريين في أوروبا جزءاً من الحل وليس عبئاً كما تم تصويره في بعض الأوساط السياسية.

الكاتب سامر الاسمر - فيينا
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

شكراً لك على مشاركة رأيك.. لنكتمل بالمعرفة

Back to top button