وصف المدون

اليوم


في خطوة تتناقض مع مواقف النمسا التاريخية تجاه قضية الصراع الفلسطيني (العربي) الإسرائيلي وافق المجلس الوطني النمساوي (البرلمان) بالإجماع يوم الخميس الماضي الموافق 28/2/2020 على قرار ضد حركة المقاطعة BDS وسحب الإستثمارات من المستعمرات الإسرائيلية، وفرض عقوبات على الحركة الأممية. والأدهى والأمر، انه قلب الأمور رأسا على عقب، عندما إعتبر حركة المقاطعة "لاسامية"، بدل ان يسمي الأشياء بأسمائها، وإعتبار دولة الإستعمار الإسرائيلية والحركة الصهيونية بالصفة المذكورة.

وجاء في القرار أن "البرلمان النمساوي يدين بشدة جميع اشكال اللاسامية، بما في ذلك اللاسامية المتعلقة بإسرائيل." كما ويدعو الحكومة إلى "مواجهة هذة التوجهات بحزم، ومكافحة معاداة الصهيونية، ووقف أي نوع من الدعم المالي أو غيره للمنظمات، التي تروج لأفكار حركة المقاطعة BDS". مما دعا الحركة لإصدار بيان يوم الجمعة الماضي 29/2/2020 دحضت فيه إدعاءات البرلمان غير الصحيحة، لا سيما وانها (الحركة) في نضالها المشروع تدافع عن خيار السلام، وعن أتباع الديانة اليهودية، وعن الشعب العربي الفلسطيني، الذي يتعرض على مدار الساعة لجرائم حرب، وإنتهاكات خطيرة تمس حقوق الإنسان في الصميم.

قرار البرلمان النمساوي، الذي يحتل فيه حزب الشعب اليميني الثقل الرئيسي يتناقض مع جملة قيم ومبادىء، منها: أولا يتنافى مع ابسط القيم الأخلاقية الإنسانية؛ ثانيا يتناقض مع معايير الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير؛ ثالثا يضرب عرض الحائط بقرارات الشرعية الدولية، التي تعتبر المستعمرات الإسرائيلية المقامة على اراضي دولة فلسطين المحتلة في الخامس من حزيران/ يونيو 1967 غير شرعية، وتهدد بشكل خطير خيار حل الدولتين على الحدود المذكورة آنفا؛ رابعا يصب في خدمة المشروع الإستعماري الإسرائيلي، ويساهم من حيث يدري أعضائه في تأصيل عملية التطهير العرقي ضد ابناء الشعب الفلسطيني؛ خامسا يعطي الضوء الأخضر لليمين الصهيوني الفاشي بمواصلة حربه اللا مشروعة ضد الشعب الواقع تحت نير الإستعمار منذ 72عاما خلت؛ سادسا يتساوق القرار النمساوي الخطير مع صفقة القرن الأميركية، ومع قانون "اساس الدولة اليهودية" العنصري؛ سابعا يساهم بشكل عميق في تهدد السلم والأمن العالميين، وليس حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني فقط. لإنه يعيد الصراع إلى المربع الأول؛ ثامنا يتنكر للعدالة السياسية والقانونية بشكل صارخ، وينحاز لقوى الشر والإرهاب الدولاني المنظم، الذي تقف إسرائيل على رأسه مع إدارة ترامب الأميركية.

ومن يعود لتاريخ النمسا غير البعيد، لزمن المستشار برنو كرايسكي، والرئيس كورت فالدهايم ( الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، الذي لاحقته الصهيونية العالمية ودولة إسرائيل بتهمة غير ذات صلة بتاريخه الإنساني) يدرك ان نمسا اليوم، لا تربطها اية صلة بنمسا الأمس، حيث كانت منارة للسلام العالمي، وقبلة المنظمات الأممية، ومركزا للعديد منها، بما في ذلك مقرا لجامعة الدول العربية.

كما لا ينسى الشعب النمساوي، وشعوب الأرض قاطبة الدور البارز والهام، الذي تمثله المستشار كرايسكي مع اقرانه الأوروبيين السويدي أولف بالمه، والألماني فيلي برانت، الذين تقدموا بمبادرة لبناء اسس السلام في الشرق الوسط. تلك النمسا يسعى أنصار اليمين لدفنها، وتغييب صورتها العظيمة والخلاقة، والإنحراف نحو جادة الفوضى، وتسميم الأجواء الأوروبية والعالمية، وإغماض العيون عن الدولة الخارجة على القانون النمساوي والأممي على حد سواء، دولة الإستعمار الإسرائيلية.

الخطوة الخطيرة، التي إتخذها المجلس الوطني النمساوي (183 عضوا) بالإجماع تحتاج من القوى الديمقراطية النمساوية، ومن انصار السلام في أوروبا كلها، ومن الجاليات الفلسطينية والعربية التصدي لها بكل الوسائل المشروعة، ووقف السياسات العدمية، والمعادية للسلام والحرية والعدالة النسبية، وإعادة الأمور لنصابها، وإعادة النمسا لسابق عهدها، لتبقى منارة للسلام والأمن والديمقراطية الحقة.



دنيا الوطن
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

شكراً لك على مشاركة رأيك.. لنكتمل بالمعرفة

Back to top button