وصف المدون

اليوم


نذير الجاسر تنهد قائلا:" في الحقيقة هذه منافسة غير متكافئة. أعتقد أنني الهاوي الوحيد الذي يعمل وقتا كاملا ويسوق الدراجة جانبا ". وقبل خوض منافسة السنة ينتابه بعض الشك. هل بإمكانه كمتدرب وسائق من الهواة مواجهة نخبة من المحترفين؟ بالطبع هو لن يقدر على ذلك. وفي سباق العد الزمني لبطولة العالم في بلدة "هاروغيت" الانجليزية يقف نذير في مواجهة أسماء لامعة في فضاء هذه الرياضة مثل المدافع عن اللقب روهان دينيس أو الفائز سابقا غرينت توماس أو بطل العالم أربع مرات توني مارتين. 54 كيلومترا فوق أرض وعرة تنتظر المتبارين في معركتهم ضد الساعة. ويحاول نذير عدم الاستسلام أمام المنافسة القوية. وقد سافر الأسبوع الماضي إلى مكان البطولة حيث يستعد بكل مثابرة. وقد تعرف على المسافة عدة مرات بالدراجة وبالسيارة، لأن التعرف عليها مسبقا حاسم في السباق.

تفادي شغل المكانة الأخيرة من جديد

إنها بطولة العالم الثالثة التي يشارك فيها نذير بعد 2013 و 2017. وخلال بطولة العالم الأولى وصل في المرتبة الأخيرة، لأنه انطلق في السباق بدراجة سباق عادية لم تكن متلائمة مع قواعد الاتحاد العالمي لسباق الدراجات. "خلال بطولة العالم في النرويج 2017 تركت عشرة متسابقين خلفي. وهنا في بريطانيا أرغب في التقدم بعض الشيء إلى الأمام"، كما قال في حديث مع دويتشه فيله. وهنا يمكمنه الانطلاق بقميص المنتخب الوطني السوري، فهذا يشبه إلى حد ما النهاية الحسنة لدراما.

نذير الجاسر ترعرع في حلب وعندما كان عمره عشر سنوات فارق والده الحياة. وفي سن الثانية عشرة غادر المدرسة وشرع في تعلم مهنة الخياطة لكسب بعض المال، إلى أن اجتاحت الحرب مدينته. ياسر هرب إلى دمشق حيث لم يقدر على المكوث طويلا. صديقه وزميله في الفريق عمر حسنين اعتُقل عام 2014 على ما يبدو بسبب التجارة في السوق السوداء. وفي السجن تعرض حسنين، الذي كان عضوا في المنتخب الأولمبي السوري للدراجات عام 2012، للضرب وسوء المعاملة إلى أن لم يعد قادرا على المشي أو سياقة الدراجة، حسبما يروي زملاؤه في الفريق. وعلى إثرها قرر جميع أعضاء الفريق الوطني السوري الفرار.

وغادر نذير وطنه كحامل للقب البطولة الوطنية. "قمنا ببيع دراجاتنا لتغطية تكاليف رحلة الهروب التي كانت باهظة التكاليف. كنا بحاجة إلى المال. فالقارب المطاطي وحده من تركيا إلى الجزيرة اليونانية الأقرب كلف 1.500 دولار. وتألمت بفعل التخلي خلفي عن دراجتي، لكن لم يكن هناك بديل". وبعد رحلة طويلة عبر البحر المتوسط وعبر العديد من البلدان الأوروبية وصل في نهاية عام 2015 إلى برلين حيث بدأ حياة جديدة.

حقيبة ظهر هي ما تبقى من الحياة القديمة

نذير وجد شقة سكن وبدأ تكوينا كمدرب رياضة ولياقة ويأمل الآن في الحصول على عمل. والتحق بنادي سباق الدراجات في برلين مع بعض اللاجئين السوريين الذين بإمكانهم المشاركة في التدريب. ويحاول نذير النظر إلى الأمام والتركيز على ما هو قادم. لكن في كل مرة تعود نظرته إلى الخلف ويتذكر الأصدقاء والوطن والأشياء الصغيرة. وقد وصل إلى ألمانيا فقط بحقيبة ظهر صغيرة وكان مجبرا على ترك كل شيء خلفه. "الشهادات والميداليات والكؤوس. كل ما حققته بفضل سباق الدراجات وجب عليه تركه. الحرب قلبت حياتي رأسا على عقب". ولم يعد له أمل في إعادة ما فُقد، "شقتنا لم تعد موجودة، كل شيء ضاع" يقول نذير متحسرا على ما فقده.

في ألمانيا بدأ من الصفر، كما يؤكد نذير الذي يعتزم بناء مستقبل هنا بمزاولة عمل وربما بجلب عائلته إذا كان ذلك ممكنا. ومستوى لغته الألمانية جيد، وهو يعبر بوضوح عن أفكاره وله تصور واضح عن حياته المستقبلية، بعدما ثبت قدمه في ألمانيا. وهذا ما يمكن للمدير الرياضي لفريقه أن يؤكده. كريستوف ريكيرس تعرف في 2018 على نذير الذي اندمج في الفريق وأحرز القميص الأصفر بفضل جهوده القوية. "إنه شخص هادئ، لا يتكلم بصوت مرتفع"، يقول ريكيرس عن سائقه. "لديه تجربة كبيرة في سباق الدراجات ويعرف ما يريد، لكن المبادرة في السباق يتركها للآخرين". وفي الأثناء يشارك خمسة لاجئين سوريين في فريق ريكيرس الذي جعل من مهامه الجمع بين الناس عن طريق الرياضة، "نحن نتعلم الكثير من بعضنا البعض ثقافيا أيضا. فريقنا متعدد الهوية". وهذا يعني على سبيل المثال أن يذهب الفريق قبل خوض السباق إلى مكان تُقدم فيه وجبات الأكل الحلال.

جميع المتبارين السوريين هربوا من الحرب

على غرار نذير الجاسر هرب الكثير من الرياضيين السوريين من الحرب وهم يعيشون الآن في المنفى، لأن ظروف التمارين الرياضية سيئة في الوطن الأم، كما يؤكد نذذير. فهو مثلا لم يتمكن من التدريب إلا في طريق واحد ذهابا وإيابا، وهذا لم يتغير.

ويتدرب سائقو الدراجات السوريون بكل جد، لكن ليس بوسعهم المشاركة في منافسات، وبالتالي هم لا يتوفرون على الكفاءة التي يحتاجها الرياضي للمشاركة في السباقات. كما أن الرياضيين في سوريا يواجهون دوما مشاكل حيازة تأشيرة السفر عند مغادرة البلاد. وثلاثة سوريين يشاركون في بطولة العالم ولا أحد منهم يعيش في سوريا، إذ أنهم هربوا جميعا وتعرفوا على بعضهم البعض أثناء البطولة.

ويتخلى نذير عن السباق في الطرقات احتراما للمسافة. "سباق بطولة العالم طوله 284 كيلومترا. أنا أعمل ثماني ساعات في اليوم ووقت الفراغ لا يكفي للقيام بتدريبات كافية. هذه السنة لم أشارك إلا في سباق مسافته 150 كيلومترا. ومن أجل مسافة أطول وجب علي زيادة لياقتي وهذا يحتاج بالطبع إلى وقت". لكن نذير يريد مشاهدة السباق والتمتع بالأجواء السائدة.



DW
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

شكراً لك على مشاركة رأيك.. لنكتمل بالمعرفة

Back to top button