وصف المدون

اليوم

الفنان "طلال كومان" مبدع سوري استطاع أن يترك بصمة مميزة في تاريخ النحت السوري المعاصر من خلال كشفه عما هو مخبوء من مكنونات هذا الفن وجمالياته التي لا تخفى على ذائقة المتلقي، ومحاولته وصل ما انقطع من حلقات تطوره بأسلوب معاصر مزاوجاً فيه بين خصوصيات الفن السوري القديم والقيم والأسس الجوهرية الناظمة لهذا الفن الموغل في العراقة دون أن يبتعد عن محاكاة مأساة شعبه جراء الحرب والديكتاتورية التي تحكم البلاد بالنار والبارود.

نشأ "كومان" في مدينة "الحراك" بمحافظة درعا، وكان لدى جده معمل رخام، واعتاد على الذهاب إليه بعد الفراغ من الدراسة والعطل ليعمل فيه، ولم يكن قد تجاوز التاسعة من عمره عندما بدأت علاقته بالحجر والرخام وأعجبته تفاصيل هاتين المادتين، وكلما كبر سنه كانت علاقته بهما تنمو أكثر.

وروى "كومان" لـ "زمان الوصل" أنه كان يراقب الحرفيين الأكبر منه سناً وكيف يتعاملون مع الحجر ويُخرجون منه أشكالاً بواسطة "صاروخ قص الحجر"، ثم يستخدمون المطارق والأزاميل لتشكيل تاج أو منحوتة، ومع الوقت اكتسب خبرتهم وتعلم أسرار النحت والصنعة ليصقل حرفته فيما بعد بدورة تدريبية خاصة، ومع تطور إدراكه وعمله بالنحت وصقل موهبته بدأ بتنفيذ منحوتات خاصة به وذات قيمة فنية، حسب قوله.

بعد اندلاع الحرب في سوريا عام 2011 كان "كومان" أحد المشاركين في الثورة ضد الأسد وشُرّد كملايين السوريين، حيث لجأ إلى الأردن بداية لمدة سنتين ونصف لينتقل بعدها مع عائلته إلى النمسا عبر برنامج التوطين الذي ترعاه مفوضية اللاجئين، وبعد وصوله إلى النمسا تعرّف الفنان الحوراني على بعض الفنانين النمساويين الذين يعملون في مجال النحت والرسم، وبدأ بإنجاز بعض المنحوتات في معارض تديرها فنانات نمساويات لمدة سنة ونصف ثم شارك بعدها بمعرض في مدينة "كريمس" على الجهة الشرقية من ضفاف نهر "الدانوب"، وكان معرضه الثاني في مدينة "سانكت لولتين" التي يقيم فيها، حيث شارك معه فنان نمساوي ببعض اللوحات، ولاقى المعرض قبولاً جيداً وشارك بعدها في "سمبوزيوم فيينا" الدولي الأول الذي أُقيم في كانون أول ديسمبر 2016 وجمع 42 فناناً من الدول العربية والدول الأوروبية، وشارك فيه بثلاث منحوتات حصل من خلالها على المركز الثاني.

في نهاية آذار مارس/2017 أنهى "كومان" كوررس اللغة الألمانية وانتقل إلى سوق العمل ليلتحق منذ ثلاث سنوات بوظيفة في إحدى الشركات النمساوية، حيث يكرس عمله في تنفيذ أعمال نحتية تطلب منه، وبات -حسب قوله- خطاطاً باللغة الألمانية يحفر بعض الأسماء والعبارات على الحجر.

وحول عوالمه النحتية والأفكار والرؤى التي يميل إلى تجسيدها من خلال الحجر، أشار الفنان إلى أن الواقع وما يحدث في سوريا طغى على أفكاره ورؤاه الفنية باعتباره فاقداً للوطن -حسب تعبيره- مضيفاً أن منحوتاته تميل إلى الطابع السياسي وتجسيد الظلم الذي يعيشه السوريون.

وكشف محدثنا أن أول منحوتة أنجزها في النمسا كانت بعنوان "لا أحد يسمع" وهي عبارة عن قواقع بحرية ومن المعروف أن بعض القواقع كانت توضع في الأذن لجذب الذبذبات وتقوية السمع، ووضع في المنحوتة –كما يقول- المفتاح الموسيقى الأول، وأراد أن يقول إنه بالرغم من وجود أدوات تكبير الصوت فليس هناك من يسمع قضية الشعب السوري وثمة منحوتة ثانية بعنوان "لا أحد يرى" تصور عيناً ساكنة ومفتوحة بشكل دائري تماماً بلا جفون ومع ذلك لا ترى هذه العين التي ترمز إلى العالم بشاعة المذابح التي ترتكب في سوريا. وأردف "كومان" أنه وضع في المنحوتة ذاتها يد حيوان مفترس في إشارة إلى الأيادي الخارجية التي تنتظر قضم أجزاء من سوريا المحتلة كروسيا وإيران.

وتحدث "كومان" عن منحوتة أخرى بارتفاع متر و47 سم تعبر عن ظاهرة قطع الأشجار في سوريا قبل الحرب، والمنحوتة -حسب قوله- عبارة عن ورقة شجر في أعلاها عين إنسان تنظر إلى السماء إلى خالق الكون تخاطبه وتناجيه وتشتكي وتذرف دمعاً من ظلم الإنسان، إلا أن حقد الإنسان على هذه العين والأشجار دفعه لطعنها بسهم.


zamanalwsl
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

شكراً لك على مشاركة رأيك.. لنكتمل بالمعرفة

Back to top button