"أنا أعيش في حالة يأس لا يمكنني الخروج منها حتى أجد ابني حمزة" هكذا يقول اللاجئ الفلسطيني السوري حسام في حواره لموقع مهاجر نيوز. فحسام (43 عاماً) فقد ابنه حمزة في البحر عندما كان في طريقه إلى ألمانيا. "في تمام الساعة الرابعة صباحا صعدنا على متن القارب المطاطي وبعدها اصطدم القارب بسفينة كبيرة ما تسبب في انقلابه وبدأت أصرخ: "حمزة.. حمزة.. حمزة" بأعلى صوتي وبعدها وجدت نفسي في اليونان بدون ابني".
كل محاولات البحث عن حمزة باءت بالفشل. لكن حسام لم يفقد الأمل "أنا متأكد من أنه سيعود إلى حضني ولكن متى؟ أنا لا أريد شيئا من هذه الدنيا سوى أن أحضنه بين يدي وأقبله." يقول حسام أنه "تعذب كثيرا" على طريق الوصول إلى تركيا. لكن فقدانه لابنه أمر فاق قدرته على التحمل ويضيف "أنا أشعر أنني في عالم آخر. حاولت أن أتعلم اللغة لكنني أعاني من قلة التركيز. أريد أن أندمج في المجتمع الألماني وأعيش كالآخرين ولكنني غير قادر على ذلك". يقول حسام.
قصة حسام ليست إلا واحدة من بين قصص لاجئين كثيرين يعانون من صدمات نفسية بسبب الحرب أو ما عاشوه أثناء رحلة الهروب. "على عكس (انخفاض) أعداد اللاجئين في ألمانيا، لا نرى أي انخفاض في أعداد اللاجئين الذين يأتون إلينا"، هكذا تقول كارين لوس، مديرة شبكة مساعدة اللاجئين الذين يعانون من صدمات نفسية في ولاية ساكسونيا السفلى الألمانية. وتضيف لوس لوكالة الأنباء الألمانية: "كثير منهم لا يواجه أمراضه النفسية إلا بعد تأجيلها".
في العام الماضي ساعدت الشبكة، أكثر من 2500 لاجئاً على تجاوز المشاكل النفسية التي كانوا يعانون منها، في حين بلغ عدد اللاجئين الذين استفادوا من خدمات الشبكة في عام 2017 حوالي 1500 شخصاً، بينما لم تكن أعدادهم تتجاوز الألف في عام 2016.
ثلث اللاجئين يعانون من مشاكل نفسية
ويزداد عدد اللاجئين الذين يعانون من اضطرابات نفسية في ألمانيا، فبحسب الرابطة الاتحادية للمراكز النفسية والاجتماعية للاجئين وضحايا التعذيب فإن نسبتهم تصل ما بين 30% إلى 40% من مجموع عدد اللاجئين في البلاد.
ويحذّر الطبيب النفسي عامر المصري، الذي يعمل في برلين، من أن عدد اللاجئين الذين قد تكون حالاتهم النفسية مؤهلة لكي تتطور إلى "متلازمة ما بعد الصدمة" قد يفوق النسبة التي ذكرتها الرابطة.
ويضيف المصري لمهاجر نيوز: "لكنني أعتقد أن الذين تنطبق عليهم المعايير الكاملة لمتلازمة ما بعد الصدمة أقل من ذلك"، مشيراً إلى أن غالبية المشاكل النفسية التي يعاني منها اللاجئون لا تحتاج إلى معالجة نفسية متخصصة، بل إلى دعم ومساعدة نفسية.
ورغم وجود بعض الجمعيات والمراكز التي تعمل على تقديم الدعم النفسي للاجئين، إلا أن المصري يرى أن المساعدة التي يحصل عليها اللاجئون في هذا المجال "أقل بكثير من المطلوب".
قلة المختصين الذين يتحدثون العربية
إحدى المشكلات الأساسية، كما يقول الخبير النفسي، هي عدم وجود كوادر نفسية متخصصة تتحدث اللغة العربية، في وقت لايزال فيه اللاجئون يعانون من مشكلة تعلم اللغة الألمانية. ويتابع: "قلة الكوادر المختصة هي مشكلة أخرى، فعلى الرغم من أن بعض المراكز تخصص للاجئين عدة ساعات للدعم النفسي، إلا أنها لا تقدم المعالجة النفسية التخصصية".
ففي شبكة مساعدة اللاجئين الذين يعانون من صدمات نفسية في ولاية ساكسونيا السفلى، والتي تأسست في عام 2007، يبلغ عدد المعالجين النفسيين مع التربويين والمترجمين 60 شخصاً يعملون في ست مدن مختلفة، ومع زيادة عدد اللاجئين المحتاجين للعلاج أو الدعم فإن الحاجة للتوسيع تزداد، حيث افتتحت الشبكة مركزها في مدينة براونشفايغ في العام الماضي، في محاولة لتلبية حاجة اللاجئين الذين يتوجهون إليها والذين ينحدرون من 40 دول مختلفة.
وتقول مديرة الشبكة، كارين لوس، إن الأشخاص الذين يزورون مراكزهم ليسوا فقط من الذين عايشوا الحروب، بل الذين عاشوا تجارب خطيرة على طريق اللجوء أيضاً.
الصحة النفسية تؤثر على الاندماج
وتؤكد لوس على ضرورة مساعدة اللاجئين نفسياً من أجل العمل على اندماجهم في المجتمع، وتضيف: "الصحة النفسية عامل رئيسي في الاندماج"، مشيرة إلى أن اللاجئين الذين عاشوا تجارب مؤلمة يواجهون صعوبة في التركيز على تعلم اللغة أو إيجاد فرص عمل.
ويتفق معها الطبيب النفسي عامر المصري الذي يحذر من أن إهمال الحالة النفسية للاجئ قد تجعله يفقد الإرادة على الاندماج ويستسلم في "منتصف الطريق"، ويتابع: "هناك لاجئون كثيرون مضى على وجودهم ثلاث أو أربع سنوات ورغم أنهم كانوا في الطريق الصحيح إلا أنهم يقولون: لم أعد استطيع".
ويشكل تشديد قوانين اللجوء، بحسب المصري، عاملاً آخر قد يؤدي إلى تدهور الحالة النفسية لطالبي اللجوء واللاجئين.
فقانون العودة المنظمة الذي أقرته الحكومة الألمانية مؤخراً يثير انتقادات واسعة من قبل المنظمات الإنسانية، وتنتقده شبكة مساعدة اللاجئين الذين يعانون من صدمات نفسية في ولاية ساكسونيا السفلى أيضاً. وتخشى مديرة الشبكة من أن يزيد القانون الجديد من معاناة طالبي اللجوء.
وبشكل عام ومن ناحية عروض الدعم النفسي، فإن لوس تجد أن أوضاع اللاجئين في ولاية ساكسونيا السفلى أفضل منه في ولايات أخرى، لكنها ترى أن الحاجة ملحّة لتوسيع العلاجات طويلة الأمد.
من جانبه يؤكد المصري على ضرورة أن تقوم ألمانيا بتأهيل اللاجئين الذين لديهم خبرة في مجال العلاج النفسي ليساعدوا في تخفيف معاناة أقرانهم.
وينصح الخبير النفسي اللاجئين بالاستفادة من المبادرات الموجودة وعدم إهمال حالتهم النفسية أو تأجيل المعالجة لأي سبب كان.
مهاجر نيوز
شكراً لك على مشاركة رأيك.. لنكتمل بالمعرفة