عندما تسأل شباناً عرباً من المهاجرين إلى القارة العجوز عن الوظيفة التي يبحثون عنها، فإن الجواب الذي يأتيك غالباً يمكن اختصاره على الشكل التالي: "أريد عمل أي شيء، لا يهم. المهم أن لا أبقى بلا شغل لحين ما أوفق في الحصول على الوظيفة التي أطمح إليها".
وهكذا فإنك تجد في بلد مثل ألمانيا عرب كثر حتى ممن يحملون شهادات جامعية ومتوسطة يعملون في المطاعم والمقاهي والنظافة والحدائق والمحلات التجارية والمخابز وغيرها من الأعمال، التي يرفضونها أو يتأففون منها في بلدانهم حيث ينظر إليها المجتمع كأعمال دونية لا تليق بمن يحمل حتى شهادة المدرسة الثانوية.
ومن خلال اللقاءات مع العشرات منهم خلال فعاليات خاصة بسوق العمل والتدريب المهني تشهدها برلين ومدن أخرى بين الفينة والأخرى، أقول لنفسي دائماً، ماذا لو رضي هؤلاء الشباب بالعمل في بلدانهم كما في المهجر.
تقديري لو حصل ذلك، فإن هذه البلدان ستكون أفضل بكثير مما هي عليه الآن.
الأكل الشامي يغزو السوق الألمانية بسواعد سورية وعربية
المهاجرون والريادة
في هذا السياق أكد رئيس رابطة اتحاد أرباب العمل في ألمانيا انغو كرامر في مقابلة مع صحيفة "أوغسبورغر الغيماينه" أن ثلث اللاجئين الذين قدموا إلى ألمانيا خلال السنوات القليلة الماضية، أي نحو 400 ألف شخص اقتحموا سوق العمل في مختلف المجالات لاسيما الخدمية منها بمبادرات غالبيتها فردية.
وأظهرت دراسة لبنك إعادة الإعمار الألماني KFW أن 21 في المائة من المهاجرين قاموا بتأسيس أعمال حرة أو مشاريع خاصة خلال الفترة من عام 2013 ولغاية 2017.
وتزيد هذه النسبة عن المعدل العام الذي بقي بحدود 18 بالمائة على مستوى سكان ألمانيا. ويشكل العرب، لاسيما السوريون منهم، نسبة عالية من الذين أقدموا على إقامة مشاريع خاصة بهم.
ورغم أن المهاجر أو اللاجئ يضطر في العادة إلى تأسيس مشروع خاص لأسباب من أبرزها حاجز اللغة والبيروقراطية المعقدة وصعوبة الحصول على قرض أو وظيفة في الشركات الألمانية الخاصة أو في مؤسسات الدولة الألمانية، فإن توجه الشباب العرب إلى القيام بشتى الأعمال التي يرفضون ويتأففون من القيام بها في بلدانهم يثير الدهشة.
خلال عملي كمدرّس في الجامعة وقيامي مع زملاء ألمان بتدريب شابات وشبان عرب في سوريا ولبنان والمغرب والسودان والأردن وألمانيا كان من غير الممكن إقناع غالبيتهم بفكرة القبول بأعمال معينة ريثما يحصلون على الخبرة والتأهيل المناسب ويجدون العمل أو الوظيفة التي تلبي طموحاتهم.
خلال عملي كمدرّس في الجامعة وقيامي مع زملاء ألمان بتدريب شابات وشبان عرب في سوريا ولبنان والمغرب والسودان والأردن وألمانيا كان من غير الممكن إقناع غالبيتهم بفكرة القبول بأعمال معينة ريثما يحصلون على الخبرة والتأهيل المناسب ويجدون العمل أو الوظيفة التي تلبي طموحاتهم.
والغريب أن الرفض كان يأتي أيضاً حتى من قبل الذين لديهم تأهيل جيد وإمكانات مادية للقيام بمشاريع خاصة. ومن أبرز الحجج يسوقونها لذلك والتي أكدتها أيضاً تقارير ودراسات عدة أن العمل الحر متعب وغير مضمون وفيه مخاطرة ومسؤولية ناهيك عن بيروقراطية مؤسسات الدولة وفسادها وصعوبة الحصول على القروض اللازمة.
أما أن العمل الحر مربح أكثر في حال نجاحه، أو أنه يفتح فرصا أوسع للإبداع والترقي واكتساب الخبرة والاعتماد على النفس في مسائل لم تكن لتحظى بالأولوية لديهم.
ميزات العمل الخاص
السؤال هنا: ألا يواجه العمل الحر أو المشروع الخاص في بلدان المهجر صعوبات كتلك التي ترد في حججهم؟ الجواب هو نعم. والبيروقراطية في بلدان مثل ألمانيا والنمسا وفرنسا أعقد منها في معظم البلدان العربية، وفرصة نجاح المنتجات والخدمات اليومية المتميزة في الأسواق العربية تعادل أو أفضل من مثيلتها في ألمانيا، لأن الأسواق العربية ما تزال تواقة إلى الكثير منها كونها ما تزال تعاني من نقص كبير في السلع والخدمات.
ميزات العمل الخاص
السؤال هنا: ألا يواجه العمل الحر أو المشروع الخاص في بلدان المهجر صعوبات كتلك التي ترد في حججهم؟ الجواب هو نعم. والبيروقراطية في بلدان مثل ألمانيا والنمسا وفرنسا أعقد منها في معظم البلدان العربية، وفرصة نجاح المنتجات والخدمات اليومية المتميزة في الأسواق العربية تعادل أو أفضل من مثيلتها في ألمانيا، لأن الأسواق العربية ما تزال تواقة إلى الكثير منها كونها ما تزال تعاني من نقص كبير في السلع والخدمات.
وعلى العكس من ذلك فإن السوق الألمانية متخمة بمختلف أنواع السلع من مختلف بقاع الأرض وأن المنافسة فيها أقسى من نظيرتها العربية.
أما الشكوى من الفساد المستفحل والمعيق للعمل الحر والخاص في الدول العربية فهي في محلها، غير أن علاقات المشروع بعد الحصول على الموافقات الرسمية اللازمة وتأسيسه تصبح في غالبيتها الساحقة مع السوق والزبائن بعيداً عن الدوائر الحكومية وفسادها. وهو الأمر الذي يبعد الفساد وتبعاته عن المشروع الذي يعتمد نجاحه قبل أي شيء آخر على مدى إقبال الزبون والسوق على منتجاته.
الحرف السورية انتقلت أيضاً مع اللاجئين والمهاجرين السوريين إلى ألمانيا
العمل عند الدولة
وفي الوقت الذي يتأفف فيه الشباب العربي من العمل الحر والخاص ويرفضونه في بلدانهم، تراهم وعلى العكس من ذلك يتهافتون هناك على الوظيفة في قطاعات الدولة. ولا يغير من هذا التهافت حقيقة أن وظيفة الدولة في الدول العربية عدا دول الخليج النفطية لا توفر الحياة الكريمة لشاغلها بسبب تدني الرواتب والأجور قياساً إلى مستوى المعيشة.
الحرف السورية انتقلت أيضاً مع اللاجئين والمهاجرين السوريين إلى ألمانيا
العمل عند الدولة
وفي الوقت الذي يتأفف فيه الشباب العربي من العمل الحر والخاص ويرفضونه في بلدانهم، تراهم وعلى العكس من ذلك يتهافتون هناك على الوظيفة في قطاعات الدولة. ولا يغير من هذا التهافت حقيقة أن وظيفة الدولة في الدول العربية عدا دول الخليج النفطية لا توفر الحياة الكريمة لشاغلها بسبب تدني الرواتب والأجور قياساً إلى مستوى المعيشة.
كما أن وظائف الدولة في غالبيتها عبارة عن أعمال روتينية ورتيبة لا تساعد على تنمية القدرات والكفاءات البشرية بقدر ما تثبطها وتعمم ثقافة الكسل وشرب الشاي والقهوة وتدخين النارجيلة.
ويبدو أن ذلك غير مهم بالنسبة للقسم الأكبر تجاه محاسن العمل في مؤسسات الدولة مثل الدوام السهل، والتأمين الصحي والتأمين التقاعدي وعقد العمل الدائم الذي قد يستمر حتى سن التقاعد
ابراهيم محمد: ثقافة العمل السائدة في المجتمعات العربية تكبح معالجة مشكلة البطالة المتفشية
الازدهار وثقافة العمل
تُظهر خبرات الدول السائرة على طريق الازدهار الاقتصادي في مختلف القطاعات أن ثقافة العمل في مجتمعاتها لا تنظر إلى أعمال معينة تخدم اقتصاد البلد على أنها سيئة أو دونية، في حين تنظر إلى أعمال أخرى على أنها جيدة أو لائقة.
ابراهيم محمد: ثقافة العمل السائدة في المجتمعات العربية تكبح معالجة مشكلة البطالة المتفشية
الازدهار وثقافة العمل
تُظهر خبرات الدول السائرة على طريق الازدهار الاقتصادي في مختلف القطاعات أن ثقافة العمل في مجتمعاتها لا تنظر إلى أعمال معينة تخدم اقتصاد البلد على أنها سيئة أو دونية، في حين تنظر إلى أعمال أخرى على أنها جيدة أو لائقة.
فالعمل في هذه المجتمعات وبغض النظر عن طبيعته، باستثناء بعضها كالأعمال الإجرامية والإتجار بالبشر هو عمل جيد أو لائق طالما توفرت الحاجة إليه ولاقى القبول من قبل أشخاص يقومون به.
وفي هذه المجتمعات كل إنسان سيّد في العمل الذي يقوم به طالما أدى واجباته بشكل احترافي. وتدعم العملية التربوية في الحضانة والمدرسة والجامعة هذا التوجه على أساس أن العمل في مؤسسة للتنظيف أو في مزرعة أو في محل تجاري أو ورشة بناء أو مطعم أو حرفة لا يقل أهمية عن العمل في مجال الطب والمحاماة والهندسة وغيرها.
وبالمقابل فإن الدول العربية التي تعاني ازدواجية المعايير في ثقافة العمل السائدة ستعاني المزيد من التردي الاقتصادي طالما بقي العمل في قطاعات بكاملها غير لائق بأبنائها داخل وطنهم، في حين أنه يليق بهم خارجها!
DW
شكراً لك على مشاركة رأيك.. لنكتمل بالمعرفة